طالب شافع | 29/10/1429
(1)
قتلة الحسين ينوحون عليه!!
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين، ورضي الله عن آل بيته وأصحابه جميعًا.
أما بعد:
فإن المتابع للتاريخ الشيعي الرافضيِّ قديمًا وحديثا قد يلوح له اتهام الشيعة بانفصام الشخصية، لكن المسألة أعمق من ذلك؛ وهي تعود في الحقيقة إلى البذرة اليهودية في نشأة التشيع على يد ابن سبأ اليهودي الذي تظاهر بالإسلام ليكيد للإسلام والمسلمين، واليهود لهم شهرة واسعة في التلوُّن بمئة لونٍ في وقت واحد بلا خجل، وكذلك خرجت الشيعة الرافضية الإمامية.
ومثال على ذلك: دَعَتِ الشيعةُ جدنا الحسين رضي الله عنه إلى الكوفة ووعدوه بنصرته والوقوف بجانبه، ثم غدروا به رضي الله عنه، فخذلوه وتخلُّوا عنه، بل وقاتلوه حتى قُتِل شهيدًا مظلومًا رضي الله عنه، وبعدما سالت دماؤه الطاهرة فوق الأرض، ورآها شيعة العراق الغادرون،ادّعوا حبّ الحسين رضي الله عنه؛ والتعصب له والحزن على مقتله، ونسبوا جريمة قتْلِه إلى إخوانه وأحبابه من أهل السنة والجماعة الذين نصحوه بعدم الذهاب إلى الشيعة بالعراق، وزاد القاتل في التبجُّح فأقام سرادقات العزاء كل عامٍ يلطم فيها وينوح على جدنا الذي قتلوه رضي الله عنه.
والعجيب أن بعض كتب الشيعة قد صورت هذه المشاهد وذكرتْ دعاء الحسين رضي الله عنه على شيعته العراقيين عندما رأى غدرهم، «ثم رفعَ الحسينُ عليه السلام يده وقال: اللهم إن متّعتَهم إلى حينٍ ففرِّقْهم فِرَقًا، واجعلهم طَرائق قدَدًا، ولا تُرْضِ الولاةَ عنهم أبدا، فإنهم دَعَوْنا لينصرونا، ثم عَدَوْا علينا فقتلونا»(1).
وتستمر الرواية الشيعية نفسها في تصوير مشاهد الجريمة، فلا تذكر أي عقوبةٍ لقاتل أهل بيت الحسين رضي الله عنه وخاصته، بل وحتى الحسين نفسه، لكنها ما إن تصل إلى تجريده رضي الله عنه من سراويله حتى تستبشع الرواية نفسها هذا الأمر، فكأن ضمير واضع الرواية قد استيقظ مؤخَّرًا، بعدما قُتِل الحسين رضي الله عنه، فقال مؤلف الرواية الشيعية نفسها: «فلما قُتل عمد أبجر بن كعب إليه فَسَلَبَه السراويل وتركه مجردا، فكانت يدا أبجر بن كعب بعد ذلك تيبسان في الصيف حتى كأنهما عودان، وتترطبان في الشتاء فتنضحان دما وقيحا إلى أن أهلكه الله».
استيقظ ضمير مؤلِّف الرواية الشيعية المذكورة أخيرًا، فاستبشع تجريد الجثة الحسينية رضي الله عنه، لكنه مضى قبل ذلك في تصوير مسرح الجريمة، دونما اهتمام أو توقُّف عند بشاعة الغدر بجدنا الحسين رضي الله عنه، ومقاتلته، وتصفية خاصته وأهله الواحد تلو الآخر وهو صابر، لكن هكذا كان الجسد الحسيني أهم من الروح الحسينية لدى واضع الرواية، فيتكلم عن مصير مَن جرّد الجسد ويتحاشى مصير مَن أزهق الروح.
وقد صورت فاطمة الصغرى رضي الله عنها هذا الغدر الشيعي الكوفيّ، عندما قالت لأهل الكوفة حسب رواية شيعية أخرى: «عن زيد بن موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال: خطبت فاطمة الصغرى عليها السلام بعد أن ردت من كربلاء فقالت: ....أما بعد يا أهل الكوفة، يا أهل المكر والغدر والخيلاء، إِنَّا أهل بيتٍ ابتلانا الله بكم، وابتلاكم بنا، .... أكرمنا الله بكرامته، وفضلنا بنبيه صلى الله عليه وآله على كثير من خلقه تفضيلا، فكذبتمونا، وكفرتمونا، ورأيتُم قتالنا حلالًا، وأموالنا نهبًا، كأَنَّا أولاد التُّرك أو كابل، كما قتلتم جدنا بالأمس، وسيوفكم تقطر من دمائنا أهل البيت لحقد متقدِّم، قرَّتْ بذلك عيونُكم، وفرِحَت به قلوبُكم، اجتراءً منكم على الله، ومكرًا مكرتُم، والله خير الماكرين،.... تبا لكم، فانتظروا اللعنة والعذاب،.... ثم تخلدون في العذاب الأليم يوم القيامة بما ظلمتمونا، ألا لعنة الله على الظالمين، ويلكم،... قست قلوبكم، وغلظت أكبادكم، وطُبع على أفئدتكم، وخُتم على سمعكم وبصركم، وسَوّل لكم الشيطان، وأَمْلى لكم، وجعل على بصركم غشاوة فأنتم لا تهتدون. تبا لكم يا أهل الكوفة، كم تراث لرسول الله صلى الله عليه وآله قِبَلكم...، ثم غدرتم بأخيه علي بن أبي طالب عليه السلام جدي، وبنيه عترة النبي الطيبين الأخيار، وافتخر بذلك مفتخر فقال: (نحن قَتَلْنَا عليًّا وبَنِي عَلِيٍّ بسيوفٍ هنديةٍ ورِماح، وسَبَيْنا نساءَهم سَبْي تُرْكٍ ونَطَحْنَاهُم فأَيّ نطاح).... حسدتمونا ويلا لكم على ما فضلنا الله»(2).
ثم تأتي بعد خطبة فاطمة الصغرى حسب الروايات الشيعية: خطبةٌ أخرى، وهي «خطبة زينب بنت علي بن أبي طالب بحضرة أهل الكوفة في ذلك اليوم تقريعًا لهم وتأنيبًا. عن حذيم بن شريك الأسدي قال: لما أتى عليُّ بن الحسين زين العابدين بالنسوة من كربلاء، وكان مريضًا، وإذا نساء أهل الكوفة ينتدبن مشققات الجيوب، والرجال معهن يبكون. فقال زين العابدين عليه السلام -بصوت ضئيل وقد نهكته العلة-: إنَّ هؤلاء يبكونَ علينا فمَن قَتَلَنَا غيرهم؟ فأومت زينب بنت علي بن أبي طالب عليهما السلام إلى الناس بالسكوت... ثم قالت - بعد حمد الله تعالى والصلاة على رسوله صلى الله عليه وآله-: أما بعد يا أهل الكوفة، يا أهل الختل(3) والغدر، والخذل، ألا فلا رقأت العبرة ولا هدأت الزفرة، إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا، تتخذون أيمانكم دَخَلًا بينكم، هل فيكم إلا الصلف(4) والعجب، والشنف(5) والكذب،.... ألا بئس ما قدمت لكم أنفسكم أَنْ سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون، أتبكون أخي؟! أجل والله فابكوا فإنكم أحرى بالبكاء، فابكوا كثيرا، واضحكوا قليلا، فقد أُبليتم بعارها، ومُنيتم بشنارها(6) ولن تَرْحَضُوا أبدا(7) وأَنَّى تَرْحَضُونَ قَتْلَ سليلِ خاتمِ النبوةِ ومعدن الرسالة، وسيد شباب أهل الجنة؟.... ألا ساء ما قدمت لكم أنفسكم، وساء ما تزرون ليوم بعثكم، فتعسا تعسا، ونكسا نجمجراوىا! لقد خاب السعي، وتبت الأيدي... لقد جئتم بها شوهاء صلعاء عنقاء سوداء»(8).
وقد اعترف الشيعة المعاصرون بذلك أيضًا، وذكروه في كتبهم، ومثال ذلك: ما نقله صاحب كتاب «من قتل الحسين؟» عن الشيعي حسين الكوراني حيثُ قال في كتابه (في رحاب كربلاء) 60- 61: «أهل الكوفة لم يكتفوا بالتفرق عن الإمام الحسين،بل انتقلوا نتيجة تلون مواقفهم إلى موقف ثالث، وهو أنهم بدأوا يسارعون بالخروج إلىكربلاء، وحرب الإمام الحسين عليه السلام، وفي كربلاء كانوا يتسابقون إلى تسجيلالمواقف التي ترضي الشيطان، وتغضب الرحمن، مثلا نجد أن عمرو بن الحجاج الذي برجمجراوىالأمس في الكوفة وكأنه حامي حمى أهل البيت، والمدافع عنهم، والذي يقود جيشًا لإنقاذ العظيم هانئ بن عروة، يبتلع كل موقفه الظاهري هذا ليتهم الإمام الحسينبالخروج عن الدين، لنتأمل النص التالي: وكان عمرو بن الحجاج يقول لأصحابه: قاتلوا من مرق عن الدين وفارق الجماعة». وقال حسين الكوراني أيضا: «ونجد موقفا آخر يدل على نفاق أهل الكوفة، يأتي عبدالله بن حوزة التميمي يقف أمام الإمام الحسين عليه السلام ويصيح: أفيكم حسين؟ وهذامن أهل الكوفة، وكان بالأمس من شيعة علي عليه السلام، ومن الممكن أن يكون من الذين كتبوا للإمام أو من جماعة شبثوغيره الذين كتبوا... ثم يقول: يا حسين أبشر بالنار».
ويقول صاحب الكتاب نفسه –«من قتل الحسين؟»-:«ويتساءل مرتضى مطهري: كيف خرج أهل الكوفة لقتال الحسين عليه السلام بالرغممن حبهم وعلاقتهم العاطفية به؟ ثم يجيب قائلا: (والجواب هو الرعب والخوف الذي كان قد هيمن على أهل الكوفة. عموما منذ زمنزياد ومعاوية والذي ازداد وتفاقم مع قدوم عبيد الله الذي قام على الفور بقتل ميثمالتمار ورشيد ومسلم وهانئ … هذا بالإضافة إلى تغلب عامل الطمع والحرص على الثروةوالمال وجاه الدنيا، كما كان الحال مع عمر بن سعد نفسه… وأما وجهاء القوم ورؤساؤهمفقد أرعبهم ابن زياد، وأغراهم بالمال منذ اليوم الأول الذي دخل فيه إلى الكوفة، حيثناداهم جميعا وقال لهم من كان منكم في صفوف المعارضة فإني قاطع عنه العطاء. نعموهذا عامر بن مجمع العبيدي أو مجمع بن عامر يقول: أما رؤساؤهم فقد أعظمت رشوتهموملئت غرائزهم).