خامساً: إفشاء روح التدين داخل البيت:
إنَّ الطفل الذي ينشأ في أسرة ملتزمة سيتفاعل مع الجو الروحي الذي يشيع في أرجائها، والسلوك النظيف بين أفرادها.
والنزعات
الدينية والخلقية إن أُرسيت قواعدها في الطفولة فسوف تستمر في فترة
المراهقة ثم مرحلة الرشد عند أكثر الشباب، وإذا قصّر البيت في التربية
الإيمانية، فسوف يتوجه الأبناء نحو فلسفات ترضي عواطفهم وتشبع نزواتهم ليس
إلا.
فالواجب زرع الوازع الديني في نفوس الأبناء، ومن ثَمّ
مساعدتهم على حسن اختيار الأصدقاء؛ وذلك بتهيئة الأجواء المناسبة لاختيار
الصحبة الصالحة من الجوار الصالح والمدرسة الصالحة، وإعطائهم مناعة تقيهم
من مصاحبة الأشرار.
سادساً: الدعاء للولد بالهداية وعدم الدعاء عليه بالسوء:
عن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا
تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على خدمكم، ولا تدعوا
على أموالكم؛ لا توافقوا من الله ساعة يُسأل فيها عطاء فيستجاب لكم) .
وأولاً وأخيراً: ينبغي ربط قلب الولد بالله عز وجل لتكون غايته مرضاة الله والفوز بثوابه ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ﴾ [الأنبياء:94].
وهذا الربط يمكن أن تبثه الأمهات بالقدوة الطيبة، والكلمة المسؤولة،
والمتابعة الحكيمة، والتوجيه الحسن، وتهيئة البيئة المعينة على الخير، حتى
إذا كبر الشاب المؤمن تعهد نفسه: فيتوب عن خطئه إن أخطأ ويلتزم جادة
الصواب، ويبتعد عن الدنايا، فتزكو نفسه ويرقى بها إلى مصافِّ نفوس
المهتدين بعقيدة صلبة وعبادة خاشعة ونفسية مستقرة وعقل متفتح واعٍ وجسم
قوي البنية، فيحيا بالإسلام وللإسلام، يستسهل الصعاب، ويستعذب المر،
ويتفلت من جواذب الدنيا متطلعاً إلى ما أعده الله للمؤمنين المستقيمين على
شريعته: ﴿إنَّ الَذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ
ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا
وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ﴾ [فصلت:30].
كان أحد إخواننا له ابنة هادئة مهذبة يجللها الحياء، وبعدما دخلت المرحلة الاعدادية بدا التغير عليها.
رآها
والدها وقد لوّنت إحدى خصال شعرها باللون الأخضر، فلما سأل والدتها عن ذلك
مستغرباً قالت: ما العمل؟! هكذا تفعل معلمتها في المدرسة؛ إذ تلوّن خصلة
شعرها حسب لون فستانها!
و هكذا حدثت الكارثة أن قد عرف أعداؤنا أهمية
العلم؛ فأسرعوا إليه؛ ولكن على أسس علمانية، وعرفوا أثر المعلمة؛ فعملوا
على إفسادها، وبإفسادها أضلوا الأجيال منذ مطلع هذا القرن. ومما يؤسف له
أنَّ العلمانيين والملاحدة قد سبقوا أصحاب العقيدة السليمة إلى تعليم
المرأة، فعاثت نساؤهم في العالم الإسلامي تخريباً وإفساداً نتيجة لما
يربين عليه الأجيال من مبادئ ضالة ومضلة، وكان لتأسيسهن الجمعيات النسائية
الدور الكبير في صرف بناتنا عن طريق الهدى والرشاد.
فلابد من بديل إسلامي لنحصن بناتنا بالتربية الرشيدة،
حتى لا يكون موقفنا مجرد النقد واللوم، وذلك بالتعليم النافع، وأساليب
الدعوة الجادة بين بنات جمجراوىهن و إنشاء المدارس الشرعية وعقد الندوات
الدائمة في المساجد والبيوت
- لابد من إعداد المرأة إعداداً
مناسباً لرسالتها باعتبارها أنثى؛ إضافة إلى العلوم الشرعية الواجب عليها
تعلمها، فإذا أتقنت ذلك وكانت ممن أوتي موهبة غنية، وعقلاً خصباً، وفكراً
نيراً، وتعلمت غير ذلك من العلوم الشرعية والثقافية فإن هذا حسن؛ لأن
الإسلام لا يعترض سبيلها ما دامت لا تتعدى حدود الشرع الحنيف.
وقد
كانت نساء السلف خير قدوة في التأدب والحياء خلال خروجهن وتعلمهن؛ إذ كانت
المرأة المسلمة تتعلم ومعها دينها يصونها، وحياؤها يجمجراوىوها مهابة ووقاراً
بعيداً عن الاختلاط والتبذل.
أَمَا وقد تمثل التعليم في عصرنا في
المدارس الرسمية، فلا بد أن تتولى المرأة تعليم بنات جمجراوىها، لا أن تعلم
المرأة في مدارس الذكور أو في مدارس مختلطة، ولا أن يعلم الرجل في مدارس
الإناث؛ فذلك من أعمال الشياطين.
وحتى في ديار الغرب المتحلل
بدأت صرخات مخلصة تدعو إلى التراجع عن التعليم المختلط بين الجمجراوىين وتنادي
بالعودة إلى الفطرة السليمة التي تنبذ الاختلاط.
لقد تبين بعد
دراسات عديدة أنَّ البنين والبنات يحتاجون إلى معاملة مختلفة؛ نظراً
للاختلاف في تطورهم الجسمي والذهني، كما أنَّ الاختلاط يجرّ إلى ما لا
تحمد عقباه من مفاسد يندى لها الجبين؛ هذا فضلاً عن اختلاف المادة
الدراسية التي يحتاجها كل من البنين والبنات.
- فالمنهج المدرسي
للفتاة ينبغي أن يتناسب مع سنها مما يعدّها لوظائفها الأصلية: ربة بيت،
أمّاً، وزوجة؛ لتضطلع بمهمتها التي تنتظرها، وتقوم بأدائها بطريقة سليمة؛
مما يهيئ الحياة الناجحة لها ولأسرتها المقبلة، ويجنبها العثرات، ويجعلها
داعية خير تتفرغ وأخواتها المؤمنات لوظيفة إعداد النشء الصالح، وأنْعمْ
بها من وظيفة لإعداد الأجيال، لا لجمع الأموال وتتبع مزاجيات الفراغ!
وأسوق بعض النصائح للأخوات اللاتي يقمن بعمل التعليم والتربية والتوجيه للبنات
أولا:
الواجب أن تكون معلمات الأجيال المسلمة نخبة صالحة تحمل همّ الإسلام،
وتسير بخطوات إيجابية في تعليم الأجيال المسلمة وتثقيفها، وتزويد بناتنا
بأساليب التربية التي تفيدهن مستقبلاً، لا بحشو الأذهان بقضايا لا تفيد
ولا تغني في الحياة العملية شيئاً.
ثانيا: إنها خير منقذ
لطالباتها من الوقوع في أحضان الانحراف والإلحاد؛ فهي تعلمهن الفضيلة
بسلوكها وأقوالها: تنمي شخصيتهن، وتشحذ عقولهن، وتنقل إليهن الحقائق
العلمية مع حقيقة ثابتة وهي: أنَّ نجاح الجيل وتفوّقه لا يتمثل إطلاقاً في
مدى ما يحفظ، بل فيما يعي ويُطبّق، ثم إنَّ التفوق في الدراسة ليس غاية
وهدفاً، بل الفائز حقاً هو من فاز بالدار الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن.
ثالثا: هذا؛ ومع أننا نرفض أن تكون أجيالنا ضحايا الإهمال
واللامبالاة، فإننا نؤكد على الأم المعلمة؛ إذ عليها أن تقوم أولاً
بواجبها الأساس كزوجة صالحة، وأم مربية تحسن تربية أولادها، ومن ثم تربي
أولاد الآخرين، ولا تنسى أنَّ فرض العين أوْلى من فرض الكفاية.
رابعا:
وقد حدد علماؤنا القدماء صفات المعلم المسلم في التعامل مع طلابه، وذكروا
أفضل الآداب لاتباعها، وعلى ضوء تلك الآداب؛ فعلى المعلم أو المعلمة:
إخلاص
النية لله تعالى: وأن تقصد بتعليمها وجه الله وتحتسب الثواب منه وحده،
وتتطلع إلى الأجر الجزيل الذي ذكره الرسول -صلى الله عليه وسلم- بقوله: من
دل على خير فله مثل أجر فاعله .
فلا تعمل لأجل المكانة ولا لمدح
الناس ولا للراتب وحده، وإنما عملها في سبيل الله، وتكون قدوة للناشئات في
ذلك، وإلا فإنَّ فاقد الشيء لا يعطيه، وأنّى للأعمى أن يقود غيره ويرشده
للطريق السليم؟!
خامسا: أن تقوم بعملها وتربي الأجيال على أدب الإسلام: فيتعلمن العلم ويتعلمن الأدب في آن واحد؛ وقد قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ﴾ [الصف:2].
أمّا
أن تأتي الطالبة كل يوم بقصة جديدة حدثتها بها معلمتها مما ينبو عن الذوق
السليم، أو بتقليعة جديدة جاءت بها إحدى المدرّسات مما تتنافى مع ديننا،
فهذا أسلوب من أساليب الهدم لا البناء!
على معلمتنا المسلمة أن تنضبط
بتعاليم الشرع، ولا تستهين بمخالفته مهما بدت المخالفة بسيطة؛ فإن ذلك
السوء ينطبع في نفس الجيل ويصعب بعد ذلك إزالته.
سادسا: أن تتحلى
بمكارم الأخلاق التي يدعو لها الدين ولا سيما الصبر فتحسن التلطف في تعليم
الطالبات مما يجعلهن بعيدات عن التجريح والتشهير؛ فتكون بحق داعية بالحكمة
والموعظة الحسنة عملاً بقوله تعالى: ﴿ادْعُ إلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل: 125].
والمدرّسة
الحكيمة تنوّع في الطريقة التي تخاطب بها طالباتها حسب مقتضى الحال، وحسب
سن الطالبات، ولا يفوتها أن التعامل الطيب الحنون يجذب الطالبات إليها
وإلى المبادئ التي تنادي بها وليس من الدين الجفاف في المعاملة أبداً!
فالمعلمة كالأم الرؤوم تتعاطف مع تلميذاتها وتشفق عليهن وتشجع المجيدة
منهن، ولتذكر أن نتائج التشجيع والمدح أفضل من التوبيخ والتقريع؛ فتشحذ
همة طالباتها نحو الخير ببث الثقة في أنفسهن، وتحبيبهن بالفضائل دون أن
تثبط عزيمتهن.
ثامنا: وإن احتاجت إلى عقوبتهن أو تنبيههن يوماً
مّا فلتجعل الطالبات يشعرن أنَّ العقوبة إنما هي لأجل مصلحتهن، ولو كانت
بشكل غير مباشر؛ فإن ذلك أشد تأثيراً، ولتشعرهنَّ أنها حريصة عليهنَّ وعلى
سمعتهن ومستقبلهن، ولتربط توجيهاتها بالدين وسلوك السلف الصالح؛ ليصبح
الدافع الأساس في أعمالهن هو الدين لا المصلحة ولا المجتمع... وكل ذلك
باعتدال من غير مبالغة لئلا يؤدي إلى نتائج عجمجراوىية.
تاسعا: ولتكثر
المعلمة من ذكر نماذج نساء السلف الصالح في الأجيال الخيّرة حتى تبتعد
الأجيال الجديدة عن الانبهار بنساء الغرب المنحلّ.