السبب السادس عشر
الإيمان هو الحياة
الأشقياء
بكل معاني الشقاء هم المفلسون من كنوز الإيمان، ومن رصيد اليقين، فهم أبداً في
تعاسة وغضب ومهانة وذلة (( ومن أعرض عن ذكري فإن له
معيشة ضنكا )) .
لا
يسعد النفس ويزكيها ويهزها ويفرحها ويذهب غمها وهمها وقلقها إلا الإيمان بالله رب
العالمين، لا طعم للحياة أصلاً إلا بالإيمان .
إذا
الإيمان ضاع فلا حياة
ولا دنيا لمن لم يحي دينا
إن
الطريقة المثلى للملاحدة إن لم يؤمنوا أن ينتحروا ليريحوا أنفسهم من هذه الآصار
والأغلال والظـلمات والدواهي ، يا لها من حياة تعيسة بلا إيمان، يالها من لعنة
أبدية حاقت بالخارجين على منهج الله في الأرض ((
ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرةٍ ونذرهم في ظغيانهم يعمهون ))
وقد آن الآوان للعالم أن يقتنع كل القناعة وأن يؤمن كل الإيمان بأن لا إله إلا
الله بعد تجربة طويلة شاقة عبر قرون غابرة توصل بعدها العقل إلى أن الصنم خرافة
والكفر لعنة، والإلحاد كذبة، وأن الرسل صادقون، وأن الله حق , له الملك وله الحمد
وهو على كل شيء قدير .
وبقدر
إيمانك قوة وضعفاً، حرارة وبرودة، تكون سعادتك وراحتك وطمأنينتك .
(( من عمل صلحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياةً
طيبةً ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون )) وهذه الحياة الطيبة هي استقرار نفوسهم
لحسن موعد ربهم، وثبات قلوبهم بحب باريهم، وطهارة ضمائرهم من أوضاع الانحراف،
وبرود أعصابهم أمام الحوادث، وسكينة قلوبهم عند وقع القضاء ورضاهم في مواطن القدر؛
لأنهم رضوا بالله ربا، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولا
.
السبب السابع عشر
اجن العسل ولا تكسر الخلية
الرفق
ما كان في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه، اللين في الخطاب, البسمة
الرائقة على المحيا، الكلمة الطيبة عند اللقاء، هذه حلل منسوجة يرتديها السعداء،
وهي صفات المؤمن كالنحلة تأكل طيباً وتصنع طيباً، وإذا وقعت على زهرة لا تكسرها
لأن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف . إن من الناس من تشرأب لقدومهم
الأعناق، وتشخص إلى طلعاتهم الأبصار، وتحييهم الأفئدة وتشيعهم الأرواح؛ لأنهم
محبوبون في كلامهم , في أخذهم وعطائهم، في لقائهم ووداعهم .
إن
اكتساب الأصدقاء فن مدروس يجيده النبلاء الأبرار، فهم محفوفون دائماً وأبداً بهالة
من الناس , إن حضروا فالبشر والأنس، وإن غابوا فالسؤال والدعاء .
سهرنا
ونام الركب والليل مسرف
وكنت حديث الركب
في كل منزل
إن
هؤلاء السعداء لهم دستور أخلاق عنوانه(( ادفع بالتي
هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميمٌ
)) فهم يمتصون الأحقاد بعاطفتهم الجياشة، وحلمهم الدافيء، وصفحهم البريء،
يتناسون الإساءة ويحفظون الإحسان، تمر بهم الكلمات النابية فلا تلج آذانهم بل تذهب
بعيداً هناك إلى غير رجعة . هم في راحة والناس منهم في أمن والمسلمون منهم في سلام
" المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده،
والمؤمن من أمنه الناس على دماءهم وأموالهم
" , " إن الله أمرني أن أصل من
قطعني وأن أعفو عمن ظلمني وأن أعطي من حرمني
" , (( والكاظمين الغيظ والعافين عن
الناس )) بشر هؤلاء بثواب عاجل من الطمأنينة والسكينة والهدوء .
من سالم الناس يسلم من عواذلهم
ونام وهو قرير العين جذلان
وبشرهم بثواب أخروي كبير في جوار رب غفور في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك
مقتدر .
السبب الثامن عشر
ألا بذكر الله تطمئن القلوب
الصدق
حبيب الله والصراحة صابون القلوب، والتجربة برهان، والرائد لا يكذب أهله، ولم يوجد
عمل أشرح للصدر وأعظم للأجر كالذكر (( فاذكروني
أذكركم )) , وذكره سبحانه جنته في أرضه من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة ,
وهو إنقاذ للنفس من أوصابها وأتعابها واضطرابها بل هو طريق ميسر مختصر إلى كل فوز
وفلاح . طالع دواوين الوحي لتر فوائد الذكر، وجرب مع الأيام بلسمه لتنال الشفاء .
إذا
مرضنا تداوينا بذكركم
ونترك الذكر أحياناً
فننتكس
وبذكره
سبحانه تنقشع سحب الخوف والفزع والهم والحزن . بذكره تزاح جبال الكرب والغم والأسى
.
ولا
عجب أن يرتاح الذاكرون فهذا هو الأصل الأصيل، لكن العجب العجاب كيف يعيش الغافلون
عن ذكره (( أموات
غير أحياءٍ وما يشعرون أيان يبعثون )) .
يا من
شكى الأرق وبكى من الألم وتفجع من الحوادث، ورمته الخطوب , هيا اهتف باسمه المقدس،
هل تعلم له سمياً .
الله
أكبر كل هم ينجلي
عن قلب كل مكبر ومهلل
بقدر
إكثارك من ذكره ينبسط خاطرك، يهدأ قلبك، تسعد نفسك، يرتاح ضميرك، لأن في ذكره جل
في علاه معاني التوكل عليه والثقة به والاعتماد عليه والرجوع إليه، وحسن الظن فيه،
وانتظار الفرج منه، فهو قريب إذا دعي، سميع إذا نودي، مجيب إذا سئل ، فاضرع واخضع
واخشع ، وردد اسمه الطيب المبارك على لسانك ثناء ومدحاً ودعاءً وسؤالاً واستغفاراً
، وسوف تجد بحوله وقوته السعادة والأمن والسرور والنور والحبور (( فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة )) .