على فين يا هوى مودينا

هناك العديد من القضايا والمشكلات التى تواجه بعض الشباب اليوم؛ فنجد منهم القلِق والمتسرع والباحث عن السعادة السهلة دون عناء بصرف النظر عن مصادرها؛ متناسيا أن لكل شيء في الدنيا ثمنا يدفع إن آجلا أو عاجلا.
وهناك من أصبح الحزن والتشاؤم هما السمة التى تصف حياته، ومنهم من يحاول النظر دائما للنصف الممتلئ من الكوب فى كل أمور الحياة والحكم على الأشياء بمنطق المتفائل الباحث عن حل لأي مشكلة.بينما هناك من ينظر للنصف الفارغ من الكوب ويتحسر دائما على ما لم يحدث ويظل يبكي على أطلال الأمنيات التي لم تتحقق.
وقد قمت بعمل حوارت مع بعض الشباب وفوجئت حين تحدثت معهم بتفشي حالة غريبة عند بعض الشباب من عدم الرضا عن أوضاعهم الشخصية؛ سواء فيما يتعلق بالعمل أو علاقاتهم الاجتماعية. ووجدت أن هذه المشكلات لاترتبط بطبقة معينة فأكثرهم من الطبقة العليا أو أعلى شريحة في الطبقة المتوسطة وكانت هذه آراؤهم.
انحسار العلاقات الاجتماعية
"منى أحمد" (22 سنة) تخرجت من الجامعة، وبالرغم من انشغالها بعملها ونجاحها فيه إلا أنها تفتقد بشدة جو الجامعة وتشعر بالعزلة، وتقول إن دائرة علاقاتها ضاقت كثيرا، وإنها لم تعد تجد الصديقات اللائي تستطيع قضاء وقت الفراغ معهن، وأن العمل نفسه أصبح محور حياتها ووقت الفراغ هذا أصبح عملة نادرة بالنسبة لها فهي تعمل منذ الصباح الباكر وتعود في المساء منهكة متعبة وتضطر للنوم مبكرا فلا وقت لديها للعلاقات الاجتماعية ولاتجد من الوقت المتسع لمقابلة صديقاتها أو ودهن أو الفضفضة معهم؛ حتى إنها لا تجد الوقت المناسب لتحكي لأمها عن مشاكلها وهمومها إلا القليل.
وتقول "هبة" خريجة كلية التجارة إنها كانت تنظر دائما للنصف الممتلئ من الكوب في كل أمور حياتها لكنها صدمت كثيرا في صديقات وزميلات تدرجت علاقاتها بهن إلى حد الأخوة ولكنها فوجئت بهم يخدعونها! ومن تلك اللحظة قررت أن تأخذ حذرها في التعامل مع الجميع لأنها لن تتحمل أي صدمة أخرى تزيد من عمق الألم النفسي لها؛ فالعمل يضطرها للتعامل مع الموظفين من الرجال وأغلبهم ينظرون للفتاة على أنها سهلة المنال ويبدؤون في التودد إليها لأغراض منحطة، وعندما يكتشفون أنني لست من هذا النوع يتراجعون ولا يتعاملون معي.. وآخرون ينظرون إلي على أنني لا أستطيع تحمل ظروف العمل ولا أستطيع أن أؤدي عملي بكفاءة مثلهم، ومثل هذا المناخ لايمكن أن يساعد على العطاء والتفاني في العمل.
شريكة الحياة.. حلم بعيد المنال
ويقول "ممدوح": تخرجت من الجامعة منذ عامين ووفقني الله في العمل ولكني أعاني من فراغ قاتل في حياتي الاجتماعية وتمنيت أن أجد فتاة أحلامي لتشاركني في بناء المستقبل وتحقيق الأحلام، ولكني لم أوفق إلى الآن وتحولت محاولاتي للعثور على هذه الفتاة إلى كابوس يؤرق حياتي ويعوق أدائي في العمل؛ فالآباء يغالون كثيرا في طلباتهم من حيث المهور أو الشبكة أو تأثيث البيت أو مكان ومساحة الشقة، وكلما ذهبت لخطبة فتاة ـ وهذا حدث زيادة عن 6 مرات حتى الآن ـ تبوء محاولاتي بالفشل فكلهم يرون ان ابنتهم لا يمكن أن تكون أقل من قريناتها من الأقارب أو الأصدقاء أو الجيران وطبعا ليست أقل من أختها التي تزوجت من قبلها؛ حتى وإن ظلت هذه الفتاة عانسا بدون زواج مع تقدم عمرها.
الابتعاد عن الآخرين.. فيه السلامة..
أما "نهى سامح" (25 سنة) تقول إن خبرتها في الحياة بسيطة ولا تتيح لها الحكم الصائب على الآخرين؛ لذلك فهي تفترض سوء النية في الآخرين ولا تثق في أي شخص حتى يثبت لها العكس، وهي تحمد الله لأنها لم تتعرض حتى الأن إلى أي مواقف قاسية أو صعبة وهي تفضل العزلة والبقاء في المنزل وعدم النزول إلى سوق العمل برغم احتياجها الشديد للعمل والرزق؛ فهي لم تتعلم كيف تتعامل مع الناس وخاصة في مجال العمل ولا تتحمل نظرات الآخرين وتحب الانطواء والانزواء عن العيون ولا تدري ماذا تفعل!
النت.. والفضائيات.. وتضييع الوقت..
ويقول "إيهاب مصطفى" (32 سنة) عملي غير ثابت وليس لي هدف محدد وبصراحة لم أجد ما يشغل بالي أو يملأ وقت الفراغ الذي أعيشه وبدون وعي مني انزلقت في دائرة تعاطي المخدرات والجلوس فترات طويلة على النت ومتابعة القنوات الفضائية والسفر مع الأصدقاء؛ فهو يعمل في وظائف مؤقتة بعقود موسمية أو لفترات محددة المدة، ولم يستطع حتى الآن برغم مرور سنوات على تخرجه أن يجد وظيفة ويتمنى لو كان تعلم مهنة أو حرفة منذ البداية ولم يضيع سنوات طويلة من عمره في المدارس والجامعة بدون فائدة فالحرفة ستؤمن له المال والذي به يستطيع تكوين أسرة.
تحقيق الذات.. وقطار الزواج..
وتقول "سالي:" نجحت في دراستي وتفوقت في عملي ووصلت إلى أعلى المناصب التي يحسدني عليها كل من حولي ولكني لم أوفق إلى الآن في حياتي الاجتماعية حيت إنني أبلغ من العمر 35 سنة ولم أتزوج؛ مما يشعرني بالتعاسة وأنني أشرفت على العنوسة وأصبحت أنظر إلى الحياة من خلال نظارة سوداء؛ فإغراءات العمل والمرتبات والمزايا والمؤتمرات والمناصب وحب تحقيق الذات وتنمية المهارات عن طريق إكمال الدراسات الأكاديمية والمهارية؛ تستحوذ على عقلي وتناسيت معها أهم منصب في حياتي وهو أن أكون أماً وأن أكون عروساً وبعد أن حصلت على الكثير من أحلامي وطموحاتي التي لا تنتهي أفقت يوما لأجدني تخطيت سن الزواج وفاتني قطاره.
حياة بلا هدف..
أما "مهند" (20 سنة) فيقول إن الحياة بالنسبة له ما هي إلا مجموعة أوراق وأرقام كورقة الميلاد وورقة التخرج وورقة الزواج أو الطلاق، وورقة الموت والأرقام هي مجموعة الحسابات التي تحدث في حياة كل منا من مرتبات ومصروفات وحسابات البنوك وما شابه ذلك؛ فلا وقت لدي للمشاعر أو الاجتماعيات فأنا إنسان عملي جدا كل ما يهمني هو أن أعمل واستمتع واحصل على النقود واعيش يومى فقط واترك للآخرين مشاكلهم وحياتهم التى لاتهمنى حتى والداى واخوتى لأعلم عنهم شيئا.
الإيمان والرضا والقناعة.. مفتاح السعادة
ويقول "حازم" (26 سنة) أنا مهندس كمبيوتر وأعشق الألكترونيات وأرى أن الأكثر راحة في تسيير الأمور التقرب إلى الله والإيمان والاقتناع بالقدر والتفاؤل والإقبال على الحياة والبعد عن النظرة التشاؤمية مع الحرص والتأني في كل التصرفات؛ فكلما كنت قريبا من الله أجده يساعدني جدا وأجد كل أموري تسير في الاتجاه الصحيح وأنا مقتنع بما قدره الله لي وأنظر دائما لمن هم أقل منى في كل شيء لأحمد الله وأرضى بما قسمه لي وبما حققته حتى الآن وأسعى جاهدا لتحقيق المزيد بعونه وفضله وبرضا والدي.
وبعد هذه الحوارات مع شبابنا وجدت أننا يجب أن نغرس فيهم حب العمل وحب الناس وحب الحياة، والصدق مع النفس ومع الآخرين وأن يكون لديهم فى حياتهم أمل وهدف واضحا وأن يسعى كل منهم في الحياة بإرادة قوية ويجاهد ويصبر في سبيل تحقيق هذا الهدف، ويجب أن نترك لهم مساحة للتعبير عن آرائهم بكل صراحة ووضوح، وأن يكون العقل والمنطق هما أدواتهم في التفكير ونعلم الشباب كيف يحلل ما يرى وكيف يتأمل ما حوله ويفكر بهدوء ويتذوق العلم والفنون ويحافظ على شعائر دينه ويعلم جيدا أن الإيمان بالله هو مفتاح طاقات الإنسان الحقيقية، ويجب أن نغرس في نفوسهم القيم الدينية والأخلاقية فقد نستطيع بذلك تحقيق بعض التوازن في مجتمعاتنا المختلفة ونعالج مشاكل الشباب من إدمان للمخدرات أو تطرف فكري أو ديني والقضاء على الأنهيار الأخلاقي.
ويجب أن نحول شبابنا المحبط اليائس من الحياة إلى زهور متفتحة وأشجار مثمرة تضرب بجذورها في أرض المستقبل وتنثر محبتها وعطاءها في كل الأرجاء ونتكاتف معهم لبناء مستقبلهم والقضاء على كل ما يؤرقهم.
وأخيرا يجب يا إخوتي وأخواتي أن يكون لمجمل حياتنا هدف يتحقق بتحقق مجموعة من الأهداف حسب مراحل عمرنا، وكلها تصب في إطار واحد ألا وهو أن نصبح شيئا مفيدا لأمتنا لكي ننهض بها إلى مصاف التقدم والتحديث.
ولن يتأتى هذا إلا بأن نتقن ديننا ودراستنا وعملنا وتربيتنا لأولادنا..

اين الاعضاء اين التفاعل