خرج الشيخ/ يحيى بن حسن قيراط ــ رحمه الله ــ إمام وخطيب مسجد أبو بكر الصديق بحي الرحاب يوم الأربعاء 8/12/1430هـ ليوصل زوجته الداعية والمعلمة/ سناء بنت أحمد أبو الغيث (مشرفة التربية الإسلامية بإدارة التعليم بمحافظة جدة بالمملكة العربية السعودية) لمنزل أخيها لتحج معه، وكان بصحبته 6 من أفراد أسرته وعاملته المنزلية، خرج الشيخ يحيى وزوجته سناء وأفراد أسرته، ولكنه خروجهم ذلك اليوم لم يكن كأي خروج من قبل .. حيث خرجوا جميعاً ولم يعودا لمنزلهم، فقد قضى الشيخ/ يحيى وزوجته/ سناء وثلاثة من أبنائه وخادمتهم ــ رحمهم الله جميعاً ــ نحبهم في ذلك اليوم بسبب الأمطار الغزيرة التي اجتاحت مدينة جدة.
ويروي أحد أقارب العائلة والحزن يخيم عليه، قائلاً: خرجت الأسرة صباح ذلك اليوم من منزلهم الكائن بحي المنار شرق الطريق السريع بجدة، لتوديع الأم وإيصالها إلى أخيها لتؤدي الحج برفقته (فهي مسؤولة عن حملة خاصة لتحجيج الفقراء)، وركب الجميع وهم: (الأم سناء)، و (البنت ضحى ذات السبعة عشر ربيعاً)، و(الابن عبد الله 8 سنوات) و(الطفلة الرضيعة ريم)، إضافة إلى (الابن/ أحمد 12 عاما والذي لا يعرف له أثر حتى الآن ـ ويُرجّح أنه توفي ـ)، وكذا عاملتهم المنزلية التي لقيت حتفها هي الأخرى.
ويستطرد .. خرجوا جميعا في العاشرة من صباح ذلك اليوم ليودعوا أمهم، حيث كانت في الليلة التي سبقت الحادثة تشرح لهم أعمال ومناسك الحج، وتبين لهم كل صغيرة وكبيرة عنه، كما كانت تعلمهم القران يوميا، وتحثهم على أعمال الخير .. ركب الجميع سيارتهم نوع (لاند كروزر بيضاء اللون موديل 2007) من فيلتهم الجديدة التي لم يكملوا شهرهم الثامن فيها، سالكين الطريق السريع المتجه إلى مكة، وكانت السماء ممطرة لكن دون خطر فاستمروا في السير وهم فرحين بما ستقدمه والدتهم ولكن ما هي إلا لحظات بسيطة وإذ بالسيل الجارف يداهمهم حيث تلاعبت أمواج السيول بسيارتهم وتقاذفتها هنا وهناك فجرفها بعيداً فغرق الجميع في تلك الأمطار ـ رحمهم الله ـ ولم يستطع أحد إنقاذهم لخطورة الموقف ولصعوبة المجازفة .. ولكنها إرادة الله .. وعثر على جثة الأم ــ سناء " رحمها الله " في كيلو 2 جنوب جدة (رافعة كفيها إلى السماء طالبة الشهادة) حيث طافت جثتها أرجاء المدينة، وعثر عليها في مكان يبعد عن موقع السيارة حوالي 30 كيلومترا، فيما عُـثر على جثة (ضحى) أمام كبرى الخشب في حي الروابي والذي يبعد أيضاً مسافة كبيرة عن موقع السيارة، ولكن جثة الأب/ يحيى ــ رحمه الله ــ هي الأشد ألماً وتأثيراً على من رآها حيث وجد وهو ضام يديه محتضناً رضيعته لحمايتها من المياه ومن الغرق. فيما لا يزال البحث جارياً عن (الابن/ أحمد).
ويضيف أبو محمد (غُـسِّـل الجميع في مغسلة جامع الثنيان بجدة، وتمت الصلاة عليهم فجر يوم عرفة الخميس 9/12/1430هـ، ودفنوا بجوار بعضهم بعضا وترك قبر لشقيقهم أحمد في انتظار دفنه).
وتقول إحدى الأخوات وهي (مغسلة أموات) بمسجد الثنيان بجدة أن الشهيدة بإذن الله الداعية/ سناء أبو الغيث ألقت محاضرة قبل ثلاثة أسابيع من الحادثة في مسجد الثنيان بعنوان (ماذا نفعل بعد رمضان)، وكانت محاضرة مؤثرة جداً ولم أرها بعدها... وفي يوم الأربعاء 8/12/1430هـ اتصلت بي مسؤولة المغسلة وطلبت مني الحضور لتغسيل جنازة إمرأة .. لكنني اعتذرت لعدم وجود المواصلات. وتستطر الأخت قائلة: بعد مغرب ذلك اليوم اتصلت بي الأخت التي كُـلّـفت بالتغسيل. وقالت: أتدرين من هي المرأة التي غسلناها. فقلت: من هي؟ قالت: إنها الداعية (سناء أبو الغيث)، وبشرتني المغسلة بقولها: كانت يدي الداعية سناء ــ رحمها الله ــ مضمومتان إلى بعضها ومرفوعتان للأعلى (أي بوضعية الدعاء) وحاولنا أن نضمها إلى جنبيها لتكفينها ولكننا لم نستطع فغسلت ودفنت وهي رافعة كفيها إلى الله.
ولم تنتهِ مأساة أسرة يحيى قيراط عند هذا الحد، ولكن ما حدث لحظة إبلاغ بناته الثلاث الباقيات والمتزوجات بالفاجعة، حيث سقطت إحداهن بجنينها الذي تحمله مغشياً عليها وتم نقلها إلى المستشفى.
فــإلى جنة الــخـُـلـد ياسناء
وإلــى جنة الــخـُـلـد يا يحيى
وإلى جنة الــخـُـلـد يا بقية الأسرة