أعجب من أناس يقفون كالسد المنيع بين المرضى وبين
والذهاب إلـى الرقاة ، وكأن هذا المريض سوف يذهب إلـى ساحر أو كاهن أو
مشعوذ ، ويدندن بعضهم ويزعمون أنه لا حاجة للمريض لأن يذهب لمن يرقيه ،
ويكفي أن يرقي المريض نفسه أو أن ترقيه زوجته والزوج يرقي زوجته والأخ
يرقي أخته ، وهذا سوء فهم ونظرة غير صائبة ورأي خاطئ ، فإن الأمراض التي
تعتري النفس البشرية ليست بالمتشابهة ، والمرضى ليسو سواء في العمر والعلم
والمعرفة . فهل من به عين خفيفة كمن هو مصاب بمس من شيطان متمرد؟ .
أو قد يقول أحدهم : ان المريض يكفيه الذهاب الى الأطباء ليعلجونهم . و نحن
نقول : أن لا يمنع من يذهب المريض إلى الأطباء ويذهب كذلك إلى الرقاة
فالطبيب سبب في الشفاء ولا غنى عنه في المعالجة وقد أمرنا اللرسول الكريم
بالأخذ بالدواء فقال صلى الله عليه وسلم L تداووا عباد الله ...) ولكن ما
الذي يمنع أن يذهب المريض في البداية إلى الرقاة والرقية كما الطبيب سبب
في الشفاء ومن ثم يذهب الى الطبيب .
وكلنا يرى ويبصر يوميا الكثير من المرضى الذين يقف الطب عاجزا عن علاجهم أو أن يقدم لهم يد المساعدة .
وإن في بعض الحالات يستخف الشيطان بعقل المريض فلا يرقي نفسه ولا يقبل أن
يرقيه أحد من أقاربه ، وفي بعض الحالات يصرع الشيطان المريض ويغيب عن وعيه
أو يضيق عليه صدره بمجرد أن يهم بالصلاة أو قراءة القرآن أو ينوي أن
يستخدم بعض العلاجات التي تزعج الجن ، وفي بعض الحالات لا يستطيع أن يرقي
المريض نفسه من شدة المرض .
ومن الناس من لا يعرف ما هي الرقية أو ماذا يقرأ ، ومن الناس من لا يقرأ
ولا يكتب ولا يحفظ الرقية. ومن الناس من يخشى الجن فضلاً عن حضور الشيطان
على جسد المريض . ومن الناس من لا يعرف كيف يتعامل مع الجان إذا حضر . ومن
الناس لو قرأ على مريضه لا يحسن التشخيص ولا يعلم من الذي يتحدث معه الجني
أم المريض نفسه ، ولا يعلم إذا ما كان المريض مصاب بالمس أو السحر أو
العين ، ومعرفة المرض نصف العلاج في الغالب .
وكثير من الناس لا يعرفون المنهج الذي ينبغي أن يتبعه في علاج المريض،
وكيف يعرف الراقي إن لم يكن من أهل الخبرة والتجربة حضور الجان وانصرافه
وصدقه من كذبه ؟.، وماذا لو حضر الجان على جسد المريض ( المريضة ) وتفلت
وضرب القارئ وفعل به الأفاعيل . وأنا اسأل هل في رقية من به مس من الجان
خطر على الراقي ..؟ .
وأهم شيئ :
إن الإنسان عندما يرقى على مريض سواء كان المرض عضوياً ام كان بسبب نفسي
أو بسبب مس من الجن أو سواه فإن الذي يؤثر في المريض وفي مرضه هو روحانية
الراقي .
فعلى قدر صلاح الراقي ونقاء سريرته واتصاله بأهل الصلاح يكون التأثير في المريض وفي علاج المرض .
ولكي يكون الراقي مؤثرا يجب أن يكون مجازا من أهل الصلاح مأذونا بالرقية وإلا سيكون ضرره أكثر من نفعه أحيانا .
والإذن هو بمثابة الأهلية الروحية والقلبية التي تتحصل للراقي وهذه
الإهلية لا يدركه إلا أهل النور والفراسة والصلاح ولذلك هم يأذنون لمن
يرونه متحقق بصفقات الشخص الراقي .
ويجب أن يكون الراقي ممن عرف بالصلاح والتقوى ..لأن الرقية بمثابة الدعاء
..فانى يستجاب لمن كان مطعمه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام .
وأن يكون خبيرا بأحوال المرضى وماذا يقرأ عليهم من الآيات والأذكار والأسماء .
وأن يكون امينا مراقبا الله عز وجل لأنه سيأتيه الناس بأصنافهم وتاتيه
النساء والفقراء والأغنياء فإن لم يكن أمينا ورعا سيصبح كذئب قد أفلت وسط
أغنام .
وأما الذين يقولون أنه يجب أن يرقى المرض على نفسه دون الحاجة للذهاب الة المشايخ والمأذونين فإنا نسأل :
لماذا عندما مرض النبي صلى الله عليه وسلم رقاه جبريل عليه السلام ...؟؟
ولماذا رقى الملدوغ شخص مخصص بسورة الفاتحة في حديث أبي سعيد الخدري
..وعندما سأله النبي صلى الله عليه وسلم : وما أدراك أنها رقية ....؟؟ قال
: ألقي في روعي .
إذ ليس لكل من هب ودب أن يرقى ..
وليس من شروط الراقي أن يكون عالما أو فقيها أو حافظا للقرآن ..لأن أهم
شروط الراقي اولاً : أن يكون مأذونا .ثانياً : ان يكون من أهل الصلاح .
وأقول كذلك لا يمنع أن يحصن الإنسان نفسه بالآيات والأدعية والأذكار
الواردة بالسنة للحرز من العين أو من الشيطان .ولكن في حلات كثير من
الأمرلااض النفسية أو الروحانية أو الجسدية لا بد له من راقٍ غير المريض .
نيل الأوطار > أبواب الطب > باب ما جاء في الرقى والتمائم
قال ابن التين : الرقى بالمعوذات وغيرها من أسماء الله تعالى هو الطب
الروحاني إذا كان على لسان الأبرار من الخلق حصل الشفاء بإذن الله ، فلما
عز هذا النوع فزع الناس إلى الطب الجسماني
و في حالات السحر والمس المتمرد فينبغي للمريض أن يرقي نفسه إذا كان
يستطيع ذلك وأن يذهب لمن يرقيه من الرقاة حتى يعينه وينفعه بخبرته
وإرشاداته ورقيته من بعد إذن الله تعالى ، وانصح بأن لا يرقيه شخص أعزل من
التحصين والذكر ، أو غير ملم في أمور السحر والسحرة والمردة والشياطين
ومكرهم فإن في ذلك خطر على نفسه وأهله بل وعلى المريض نفسه ، ولا مانع
أبداً من أن يرقي الزوج زوجته أو الأخ أخته أو أحد محارمه إذا كان عنده
علم ودراية في الرقية .
.
فهذه السلبية وغيرها جعلت الكثير يدندنون حول منع الرقية الجماعية ويزعمون
أن هناك تجاوزات شرعية تحصل عند بعض الرقاة خصوصا عند التعامل مع النساء ،
والتخبط في التشخيص ويزعمون أن أكثر المرضى حالات نفسية وأنه يمكن للمصاب
أن يقرأ على نفسه.
ولعل من أهم أسباب هذه المواقف السلبية تجاه الرقاة هو الجهل بالواقع وبما
يحصل للناس من معاناة وأمراض وأسقام وأوهام ووساوس وسهر بسبب المس والسحر
والعين ، وهذه الأمور لا تعالج عند الأطباء ، ولو أن أحدهم تمعن في قول
الله تعالى على لسان أيوب :" وَاذْكُرْ عَبْدَنَآ أَيّوبَ إِذْ نَادَىَ
رَبّهُ أَنّي مَسّنِيَ الشّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ" [ص:42]، لعلم أن
الشيطان إذا ما تسلط على ابن آدم نغص عليه عيشه ، وضيق عليه صدره وصرفهُ
عن طاعة مولاه ، ولو تفكر أحدهم بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم :" أكثر
من يموت من أمتي بعد كتاب الله وقضائه وقدره بالأنفس "، لعلم أن كثيراً من
الأمراض أصلها بسبب العين وليس الخبر كالمعاينة .