الصبر في القرآن
ذكر ابن القيم رحمه الله كثيراً من المواضع التي ورد بها الصبر في
القرآن الكريم، ونقل عن الإمام أحمد رحمه الله قوله: ( ذكر الله سبحانه
الصبر في القرآن الكريم في نحو تسعين موضعاً ) ونحن نذكر بعض الأنواع التي
سيق فيها الصبر في القرآن الكريم ومنها:
1 - الأمر به كقوله تعالى:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] وَاصبِر وَمَا صَبُركَ إلا بِاللّهِ [النحل:127]، وقوله:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] وَاصبِر لِحُكِمِ رَبِكَ [الطور:48].
2 - النهي عن ضده وهو الاستعجال كقوله تعالى:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] فَاصبِر كَمَا صَبَرَ أُولُوا العَزمِ مِنَ الرُسُلِ وَلاَتَستَعجِل لَهُم [الأحقاف:35]. وقوله:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ الحُوُتِ [القلم:48].
3 - الثناء على أهله، كقوله تعالى:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] وَالصّابِرِينَ فِي البأسآء وَالضّرآء وَحِينَ البأسِ أُولَئِكَ الّّذَينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ المُتَقُونَ [البقرة:177].
4 - تعليق النصر والمدد عليه وعلى التقوى، كقوله تعالى:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] بَلَى إن تَصبِرُوا وَتَتَقُوا وَيَأتُوكُم مِن فَورِهِم هَذَا يُمدِدكُم بِخَمسَةٍ ءَالَفٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُسَوِمِينَ [آل عمران:125]، ولهذا قال النبي
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]:
{ واعلم أن النصر مع الصبر }.
5 - الإخبار بأن الفوز بالمطلوب المحبوب، والنجاة من المكروه
المرهوب، ودخول الجنة وسلام الملائكة عليهم، إنما نالوه بالصبر، كما قال:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] وَالملائكةُ يَدخُلُونَ عَلَيِهِم مِن كُلِ بَابٍ (23) سَلاَمٌ عَلَيكُم بِمَا صَبَرتُم فَنِعمَ عُقبَى الدّارِ [الرعد:24،23].
6 - الإخبار أنه إنما ينتفع بآيات الله ويتعظ بها أهل الصبر، كقوله تعالى:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
وَلَقَد أرسَلنَا مُوسَى بِئآياتِنآ أن أخرِج قَومَكَ مِنَ الظُلُماتِ إلى
النورِ وَذَكِرهُم بِأيامِ اللّهِ إنَ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِ صَبّارٍ
شَكُورٍ [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] [إبراهيم:5].
7 - الإخبار أن خصال الخير والحظوظ العظيمة لا يلقاها إلا أهل الصبر كقوله تعالى:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] وَيلَكُم ثوآبُ اللّهِ خَيرٌ لِمَن ءَامَنَ وَعَمِلَ صَلِحاً وَلاَ يُلَقاهآ إلا الصَابِرُونَ [القصص:80]، وقوله:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] وَمَا يُلَقاهآ إلا الذّينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَهآ إلا ذُو حّظٍ عَظِيمٍ [فصلت:35].
8 - تعليق الإمامة في الدين بالصبر واليقين، كقوله تعالى:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] وَجَعَلنا مِنهُم أئِمّةً يَهدُون بِأمرِنا لَمَا صَبَرُوا وَكَانُوا بِئَاياتِنا يُوقِنُون [السجدة:24]. فبالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين.
9 - أن الله أثنى على عبده أيوب بأحسن الثناء على صبره فقال:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] إنّا وَجَدنَاهُ صَابِراً نِعمَ العَبدُ إنَهُ أوابٌ [ص:44] فأطلق عليه نعم العبد بكونه وجده صابراً وهذا يدل على أن من لم يصبر إذا ابتلي فإنه بئس العبد.
10 - أنه سبحانه قرن الصبر بأركان الإسلام ومقامات الإيمان، فقرنه بالصلاة في قوله:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] وَاستَعِينُوا بِالصّبرِ وَالصّلاةِ [البقرة:45]، وبالتقوى في قوله:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] إنّهُ مَن يَتَقِ وَيَصبِر [يوسف:90]، وبالشكر في قوله:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] إن فِي ذَلِكَ لأياتٍ لِكُلِ صَبَارٍ شَكُور [لقمان:31]، وبالرحمة في قوله:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] وَتَوَاصَوا بِالصّبرِ وَتَوَاصَوا بِالمرحَمَةِ [البلد:17]، وبالصدق في قوله:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] وَالصّادِقينَ وَالصَادِقَات وَالصَابِرين وَالصّابِراتِ [الأحزاب:35].
وجعل الله الصبر في آيات أخرى سبب محبته ومعيته ونصره وعونه وحسن جزائه، ويكفي بعض ذلك شرفاً وفضلاً.الصبر في السنه
لقد ورد في السنة النبوية أحاديث كثيرة عن رسول الله
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]في بيان فضل الصبر والحث عليه، وما أعد الله للصابرين من الثواب والأجر في
الدنيا والآخرة، ولقد بوّب العلماء للصبر أبواباً عدة في كتبهم، وذكروا
تحتها من الأحاديث ما لا يحصى، ونحن نذكر هنا بعضها:
1 - في الصحيحين عن أنس
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] قال: مر النبي
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] بامرأة تبكي عند قبر فقال:
{ اتقي الله واصبري } فقالت: إليك عني فإنك لم تُصب بمصيبتي ـ ولم تعرفه ـ فقيل لها: إنه النبي
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]، فأخذها مثل الموت، فأتت باب النبي
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] فلم تجد على بابه بوابين، فقالت: يا رسول الله، لم أعرفك. فقال
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]:
{ إنما الصبر عند الصدمة الأولى }فإن مفاجأة المصيبة بغتة لها روعة تزعزع القلب وتزعجه بصدمها، فإن صبر
للصدمة الأولى انكسرت حدتها وضعفت قوتها فهان عليه استدامة الصبر.
2 - وعن أبي سعيد الخدري
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] أن رسول الله
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] قال:
{.. ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء خيراً وأوسع من الصبر } [رواه البخاري ومسلم].
3 - وعن أنس
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] قال: سمعت رسول الله
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] يقول:
{ إن الله عز وجل قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه ـ أي عينيه ـ فصبر عوضته عنهما الجنة } [رواه البخاري].
4 - وفي الصحيحين أن رسول الله
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] قسم مالاً فقال بعض الناس: هذه قسمة ما أُريد بها وجه الله، فأُخبر بذلك رسول الله
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] فقال:
{ رحم الله موسى قد أوذى بأكثر من هذا فصبر }.
والأحاديث في فضل الصبر والحث عليه أكثر من أن تحصى، وما ذُكر يكفي.من كلا م السلف في الصبر
1 - قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ( وجدنا خير عيشنا بالصبر ) وقال
أيضاً: ( أفضل عيش أدركناه بالصبر، ولو أن الصبر كان من الرجال كان كريماً
).
2 - وقال علي رضي الله عنه: ( ألا إن الصبر من الإيمان بمنزلة
الرأس من الجسد، فإذا قطع الرأس بار الجسد ). ثم رفع صوته فقال: ( ألا إنه
لا إيمان لمن لا صبر له ) وقال أيضاً: ( والصبر مطية لا تكبو ).
3 - وقال الحسن: ( الصبر كنز من كنوز الخير، لا يعطيه الله إلا لعبد كريم عنده ).
4 - وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: ( ما أنعم الله على عبد
نعمة فانتزعها منه فعوضه مكانها الصبر إلا كان ما عوضه خيراً مما انتزعه
).
5 - وقال سليمان بن القاسم رحمه الله: ( كل عمل يعرف ثوابه إلا الصبر ).
6 - وقال ميمون بن مهران رحمه الله: ( الصبر صبران: فالصبر على
المصيبة حسن، وأفضل منه الصبر عن المعصية ) وقال أيضاً: ( ما نال أحد
شيئاً من جسم الخير فما دونه إلا بالصبر ).أمور تقدح في الصبر وتنافيه
لما كان الصبر حبس اللسان عن الشكوى إلى غير الله، والقلب عن التسخط
والجزع، والجوارح عن لطم الخدود وشق الثياب وخمش الوجوه، ونحو ذلك، كان ما
يقع من العبد عكس ما ذكرته قادحاً في الصبر، منافياً له، ومن هذه الأمور:
1 - الشكوى إلى المخلوق، فإذا شكا العبد ربه إلى مخلوق مثله فقد
شكا من يرحمه ويلطف به ويعافيه وبيده ضره ونفعه إلى من لا يرحمه وليس بيده
نفعه ولا ضره. وهذا من عدم المعرفة وضعف الإيمان. وقد رأى بعض السلف رجلاً
يشكو إلى آخر فاقة وضرورة فقال: ( يا هذا، تشكو من يرحمك إلى من لا يرحمك؟
).
ثم أنشد:
وإذا عرتك بلية فاصبر لها *** صبر الكريم فإنه بك أعلمُ
وإذا شكوت إلى ابن آدم إنما *** تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحمُ
ولا ينافي الصبر الشكوى إلى الله، فقد شكا يعقوب عليه السلام إلى ربه مع أنه وعد بالصبر فقال:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] إِنَّما أشكُوا بَثِي وَحُزنِي إلى اللّهِ [يوسف:86].
ولا ينافي الصبر أيضاً إخبار المخلوق بحاله؛ كإخبار المريض الطبيب
بحاله، وإخبار المظلوم لمن ينتصر به، إذا كان ذلك للإستعانة بإرشاده أو
معاونته على زوال الضر.
2 - ومما ينافي الصبر ما يفعله أكثر الناس في زماننا عند نزول
المصيبة من شق الثياب، ولطم الخدود، وخمش الوجوه، ونتف الشعر، والضرب
بإحدى اليدين على الأخرى، والدعاء بالويل، ورفع الصوت عند المصيبة، ولهذا
برىء النبي صلى الله علية وسلم ممن فعل ذلك.
ولا ينافي الصبر البكاء والحزن من غير صوت ولا كلام محرم، قال تعالى عن يعقوب:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] وَابيَّضَت عَينَاهُ مِنَ الحُزنِ فَهُوَ كَظِيم [يوسف:84]. قال قتادة: ( كظيم على الحزن، فلم يقل إلا خيراً ).
3 - ومما يقدح في الصبر إظهار المصيبة والتحدث بها. وقد قيل: ( من
البر كتمان المصائب والأمراض والصدقة ). وقيل أيضاً: ( كتمان المصائب رأس
الصبر ).
4 - ومما ينافي الصبر الهلع، وهو الجزع عند ورود المصيبة والمنع عند ورود النعمة، قال تعالى:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] إِنْ الإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إذا مَسَهُ الشَرُ جَزُوْعاً (20) وَإذا مَسَهُ الخَيَرُ مَنُوْعاً [المعارج:19-21].
قال عبيد بن عمير: ( ليس الجزع أن تدمع العين ويحزن القلب، ولكن
الجزع القول السيىء والظن السيىء ). وقال بعضهم: مات ابن لي نفيس، فقلت
لأمه: اتقي الله واحتسبيه عند الله، واصبري. فقالت: مصيبتي به أعظم من أن
أفسدها بالجزع.
وأخيراً أسأل الله تعالى أن يرزقنا الصبر، وأن يجعلنا من الصابرين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]